مرحباً بكم من جديد و آسف على التأخير، كانت الفترة الماضية مليئة بالإنشغالات مع العمل ولم يكن لدي الكثير من الأفكار للكتابة عنها حقيقة. إلهام الكتابة مشكلة 😅
أحببت اليوم أن أشارك بعض الأفكار من وحي عملي كمصمم تجربة مستخدم و تكنولوجي و من علاقتنا بالأجهزة و الواجهات حولنا جميعاً. الفكرة الرئيسية بسيطة، لكن البحث فيها يرينا أننا لا نزال كائنات بدائية في فهم علاقتنا بالتكنولوجيا أيّاً كانت.
لنتحدث عن “الزر Button”
أعقد من “كبسة”؟
بتعريفه البسيط، الزر هو واجهة تحكّم (ميكانيكية أو بصرية) تعطينا كبشر إمكانية بدء حدث ما. يتم بدء الحدث عبر تفاعلنا مع هذه الواجهة عبر الضغط أو النقر أو الللمس. قد يكون هذا ضغط زر لطلب مصعد، إطلاق طلقة من سلاح، فتح تطبيق على الكمبيوتر أو الدفع عبر الهاتف. كلها تحتاج لضغط أو لمس زر.
نلمس الزر لكي نعجب بصورة أحدهم على إنستاغرام مثلاً، أو نضغط الزر لبدء عملية حسابية معقدة، أو نضغط زر الماوس لتشغيل لعبة على كمبيوترنا.
في عالم التكنولوجيا الرقمية، التفاعل مع الزر أعقد مما نتخيل. كثير منّا يضغط زراً بالخطأ و يطلق حدثاً غير مرغوب أو حتى كارثي. ماذا لو لمسنا الزر لنعجب بصورة أحدهم على إنستاغرام بالخطأ! ما الرسالة التي نرسلها هنا؟ ماذا لو كانت محتويات هذه الصورة غير ملائمة ويرى الجميع بأننا أعجبنا بشيء سيء! ماذا لو أعجبنا بصورة لحببيب/ـة سابق/ـة 🥶. ماذا لو ضغطنا زر إرسال إيميل بالخطأ!
مثال آخر هو حادثة هلع حصلت منذ سنوات قليلة في هاواي في الولايات المتحدة نتيجة إرسال أحد الموظفين بالخطأ لرسالة تحذير حقيقية لإطلاق صاروخ باتجاه الولاية بدلاً من اختبار الوظيفة فقط. تبين لاحقاً أن التصميم السيء أحد أسباب خطأ الموظف كون الواجهة التي استخدمها تستخدم تعابير مربكة غير واضحة (فرق كلمة واحدة بين التحذير الحقيقي والاختبار) ولا تغفر أي خطأ من قبل المستخدم.
ببساطة، ضغط المستخدم الزر الخطأ لإرسال الرسالة.
علاقتنا مع الأزار طبعاً اعقد من حصرها بالشاشات والحواسب. هناك أيضاً تلك الأزرار على الأجهزة الميكانيكية المعقدة. ماذا لو ضغط عامل بالخطأ على زر جهاز صناعي قد يسبب خطراً على الآخرين. ما سبب هذا؟ ما نتائجه؟ لماذا يرتبك كثيرون عند طلب طابق معيّن في المصعد؟
مئات وربما آلاف من الأمثلة الأخرى ولا تقتصر على تصميم الواجهات فقط.
أطلقت أمازون في 31 مارس/ آذار 2015 منتجاً جديداً “مبتكراً” باسم “زر داش Dash Button” و هو ببساطة، زر ذكي مرتبط بالإنترنت نضغه في أي مكان نرغب ويمثل منتجاً ما نرغبه باستمرار. يمكننا طلب هذا المنتج مباشرة بالضغط على الزر دون أي بحث أو اختيارات أو دفع.
في 2019، قضت محكمة ألمانية أن زر داش غير قانوني و ينتهك قانون المستهلك لعدم تقديمه معلومات كافية حول المنتج كون أسعار المنتجات تتغير دون أن يظهر ذلك على الزر نفسه.
مرة أخرى، العلاقة مع هذا الزر “المبتكر” إشكالية.
للمصممين الكثير من الحيل و الأفكار حول التعامل مع إشكالية الأزرار إن صح التعبير. أفضل الأمثلة الأخيرة على ذلك، هو ميزة أطلقها تويتر عند ضغط زر إعادة التغريد على تغريدات تحتوي على مقالات إشكالية، تطالب المستخدم بأنه متأكد من إعادة التغريد هذه أو أنه قرأ محتويات المقال. يساعد هذا على خلق احتكاك يمنع إعادة التغريد العمياء التي قد تساهم في نشر معلومات مغلوطة.
لكن هذا بحدّ ذاته خلق مشاكل لدى بعض الناشرين الذين تحسسوا من ظهور هذه الرسالة عند إعادة تغريد مقالاتهم بالتحديد، لماذا نحن و مقالاتنا؟
مرة أخرى، حتى مع الحلول، العلاقة مع حلول الأزرار إشكالية.
أبحاث عن الأزرار
للباحثة راشيل بلوتنيك Rachel Plotnick كتاب مميز يحمل عنوان Power Button، و يدرس بالتفصيل تاريخ علاقتنا مع الأزرار و الكثير من التبعات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بها.
للوهلة الأولى، قد تبدو فكرة تحليل علاقتنا بالأزرار عبر كتاب متخصص وكأنها تحليل مفرط فيه كثير من المبالغة. لكن ترينا الأمثلة القليلة التي تحدثت عنها سابقاً و في مجال واحد فقط حول الأزرار الرقمية، أن الأزرار فعلاً تستحق الكثير من الاهتمام و إعادة التفكير خصوصاً في زمن أصبحت مدمجة في كل شيء تقريباً.
قامت بلوتنيك باستكشاف تاريخي لأصول هذه الأزرار وتطورها بمرور الوقت. تدرس أيضًا الطرق التي تم بها استخدام الأزرار كأداة للتحكم، بالإضافة إلى الاستجابات النفسية والعاطفية التي يمكن أن تثيرها بين الناس. تجادل بلوتنيك أيضاً بأن الأزرار تستخدم منذ فترة طويلة كوسيلة لممارسة القوة والتأثير، و في تاريخها الكثير من التعقيدات الاجتماعية وحتى السياسيّة.
تقول راشيل في مقدمة كتابها:
يقترح كتاب Power Button أن تشغيل الأجهزة بأيدينا لم يستلزم فقط اختراع نموذج جديد من التحكم (والذي اتخذ شكل الزر)، لكنه أدى أيضاً لتحول جديد أظهر أجهزة جديدة كلياً تفوض المهام عبر الأصابع لبشر آخرين ولآليات صممّت لتكون بسيطة ومريحة وتبعد المشغّل عن المهمّة. أنتج التحوّل الفكري هذا مجموعة جديدة من المستخدمين، يتواصلون مع الأجهزة و يتحكمون بها بأقل جهد ممكن عبر أصابعهم. ولهذا تبعات مرتبطة بفهمنا للخدمات والعمل والعلاقة بين البشر والآلة.
اليوم وفي عصر الذكاء الصنعي المعمّم على كل خدمات الحياة تقريباً وتبسيط الأزرار لتقوم بعشرات المهام المعقدة و تحول أدوات التحكم هذه الذي ألفناها منذ نهايات القرن التاسع عشر إلى ثوابت، أجد شخصياً اننا في زمن يعاد فيه التفكير في كل شيء. خصوصاً حول مسؤولية الحلول التي قُدّمت أو ستقدّم حول تعاملنا مع التكنولوجيا المتزايدة التعقيد حولنا.
الأزرار هي واحد من هذه الأمور فقط.
أتمنى لكم نهاية سنة سعيدة وسنة جديدة مليئة بالنجاحات.
شكراً لقراءة هذه النشرة، سعيد بتقديم استشارات حول تصميم المنتجات و إدارتها والتكنولوجيا عموماً. للقيام بذلك، يمكنكم جدولة اجتماع معي من هذا الرابط.