كيف نعرف ما يحتاجه الناس عند تطوير المنتجات؟
عن إطار وظائف العمل و أهميته في عالم إدارة المنتجات وتصميم تجربة المستخدم
ملاحظة: التالي هو مقال قديم قمت بتحريره ليناسب النشرة.
عند الحديث عن أطر إدارة المنتجات المستخدمة في الشركات (سواء أكانت تقنية أو غير ذلك) و تطبيقاتها العملية، يظهر إطار Jobs to Be Done أو JTBD الوظائف المطلوبة كواحد من أنجحها ربما. خصوصاً، إذا نظرنا إليه كإطار تتقاطع فيه تجربة المستخدم مع إدارة المنتجات الرقمية. و في هذا فوائد كثيرة….
أولًا: ماهو JTBD
يمكنا فهم جوهر إطار: وظائف العمل أو Jobs-To-Be-Done عبر اقتباس مثالي للاقتصادي لثيودور ليڤيت (مع بعض التصرف في الترجمة من قبلي)
يبحث الناس عن طريقة لحفر الحائط و لا يبحثون عن مثقاب بالضرورة People want a quarter-inch hole, not a quarter inch drill
لنفكّر بهذا قليلاً…
العبارة مختصرة و معبرة بشكل جميل عن فكرة “الوظيفة”. التفكير بالحفرة بدلاً من المثقاب يجعلنا نفكر بما يحتاجه الناس بطريقة مختلفة تجعل علاقتهم مع المثقاب حتى مختلفة.
لكن و مع ذلك، لدون نورمان (مؤسس مجال تصميم تجربة المستخدم الشهير) إضافة تجعل فهم “الوظيفة” أعمق. يتابع دون بداية من مثال ثيودور الذي يعبر ما يبحث عنه الزبون بالضبط. في كتاب The Design of Everyday Things:
يفترض مثال ليڤيت بأن الزبون يبحث عن طريقة لحفر حفرة في الحائط، و هذا صحيح جزئيًا. عندما يذهب الناس للمتجر لشراء المثقاب، هم يفكرون في الحقيقة بأمر آخر. المثقاب أو حتى الحفرة ليست أهدافًا. لننظر لها كأهداف وسيطة إن صح التعبير. قد ما يكون في بالهم هو تعليق رفوف على حائط. قد يكون مثال ليڤيت متسرعاً قليلاً. خصوصاً عندما نعرف بأن مايبحث عنه الناس ليس المثقاب، قد لا يكونو يبحثون عن طريقة لحفر الحائط حتى. هم يبحثون عن طريقة لتعليق رف على الحائط. لماذا لا نطور رفوفاً لاتحتاج لثقوب في الحائط. أو ربما كتبًا لا تحتاج رفوف!
بعبارة أخرى الوظيفة أو Job في هذا الإطار هي طريقة للتعبير عن حاجة الإنسان (زبون أو مستخدم) بشكل مستقل تماماً عن أي حل مطروح. يعبر توني أولويك Tony Ulwick (أحد رياديي المجال) عن هذا بقوله:
الوظيفة Job مستقرة، و لا تتغير مع الزمن.
مثال هذا هو ما سيجعلنا نحتمل الجوع مابين الفطور و الغداء. يمكننا أن “نوظّف hire” لذلك قطعة من الحلوى أو موزة، لتكون بذلك تلك الوجبة الخفيفة مابين الوجبتين. بالعامية هي ما “يفكّ أزمة”.
يركز بروفيسور هارڤارد و رائد نظرية Jobs to be Done نفسها كلاي كريستنسن Clay Christensen على فكرة كيف يقوم الناس بـ “توظيف” أو “تسريح” المنتجات المختلفة بناء على الحاجات. نوظف عندما يقوم منتج ما بإتمام عمل نريد و نسرحه عندما نجد منتجاً أفضل. تمثل JTBD نظرة أوسع بكثير من تحليل المهام و الإجراءات، فهي تركز على الاحتياجات و الأهداف.
إذا تمكنّا من الوصول إلى مهمة أساسية Primary Job محددة بوضوح (وربما بعض المهام الثانوية أيضاً)، يمكننا أن نكون أكثر إبداعاً في كيفية التوصل إلى حل فعال مع التركيز على مشكلة الزبون.
كتب فريق المنتج في خدمة Intercom كتاباً مميزاً (مجانياً) حول استخدامهم إطار وظائف العمل في إدارة منتجهم الذي يدور حول تقديم حلول خدمة الزبائن بشكل برمجي. يشرح ديز تراينور Des Traynor بشكل مميز كيف يتيح إطار JTBD التفكير بشكل مختلف حول الحلول الممكن تقديمها للزبائن.
إذا نظرنا لمهمة مثل: أريد أن أجتمع مع زميل لي في مدينة أخرى مثل سان فرانسيسكو فإن السفر (سواء بدرجة سياحية أو أعمال) هو مرشح مؤهل لها، مع العلم أن هناك راتبين مختلفين جداً لهذه المهمّة.
من جهة أخرى فإن اتصال فيديو هو مرشح أيضاً. ربما مرشح أضعف، لكنه موجود و يطلب راتب أقل.
أمامي خيارات “توظيف” مختلفة و عليّ اختيار أحدها
كلام واضح نوعاً ما. الفكرة الرئيسية وراء الإطار بسيطة و من الواضح الآن ماهي “الوظيفة Job”.
علينا ربما أن نفرق بينها و بين “المهمة Task”.
وفقاً لـ جيم كالباخ Jim Kalbach، الفرق الرئيسي هو أن الوظيفة هي “حاجة”. يرى إطار وظائف العمل أن الزبائن يسعون دائماً تجاه هدف، يكونون عبره مدفوعين تجاه نتيجة مرجوّة Desired Outcome.
على سبيل المثال، إذا قمنا بـ”توظيف” بدلة جديدة لمقابلة عمل فقد تكون النتيجة المرجوة هي “زيادة فرصنا في الحصول على الوظيفة” و “زيادة شعورنا بالثقة أثناء المقابلة”، أو إذا كنا نوظّف الشوكولا لمكافأة نفسنا، فقد تكون النتيجة المرجوة هي “تقليل الشعور بالتوتر”.
ما علاقة إدارة المنتجات الرقمية و تصميم تجربة المستخدم في هذا؟
سننتقل لذلك قريباً، هذا وعد. الآن، عندما نتمعن في تاريخ JTBD نجد أن جذورها في أبحاث السوق و استراتيجية الأعمال.
بناء على ذلك فإن نتائج أي عملية بحث عبر “أسلوب التفكير أو الإدارة” هذا ستختلف عن مايمكن أن نفكر به عند العمل مع المنتجات الرقمية أو تجربة المستخدم UX. لتصميم تجربة المستخدم جذور في دراسة التفاعل بين الإنسان و الآلة ودراسة بيئات العمل Ergonomics. سيختلف تطبيق نظرية JTBD حسب الحاجة و هناك عدة تطبيقات لإطار العمل هذا.
مفهوم الابتكار المدفوع بالنتائج أو Outcome Driven Innovation
أشرنا سابقاً لدور توني أولويك Tony Ulwick في وصف JTBD. تأثير توني رئيسي في جعل النظرية هذه مطبقة في عالم العمل الرقمي (وغيره ربما) عبر مقال نشره عام 2002 على Harvard Business Review . قدم توني في مقاله أسلوباً نموذجياً يتضمن إجراء نوعاً محدداً من المقابلات و الاستبيانات و ما أسماه “خوارزمية الفرصة”، وهي مجموعة من الخطوات التي تحدد فرصة ما.
جوهر الابتكار المدفوع بالنتائج هو الوصول لطريقة قادرة على تحديد تلك الفجوات التي علينا ملؤها لتلبية حاجات الزبون. يمكن أن يتم هذا وفق أحد مقالاته عبر إنتاج “خرائط للعمل Job Map” وهي تحاول فهم عقل الزبون بطريقة أو أخرى.
محاولة لفهم ما يحاول الزبون القيام به خلال مختلف مراحل إتمام عمل ما و ما الذي علينا القيام به لتحديد الطرق التي تساعد على إتمام الوظيفة بنجاح.
خريطة وظيفة العمل ليست نسخة مطابقة لرحلة المستخدم أو الزبون Journey Map مع أنه قد يكون من المفيد للمصمم التفكير بها كذلك. وفقاً لتوني، هناك 8 خطوات لأي عمل. تقوم العملية على البحث عن فرص لمساعدة الزبائن في كل خطوة.
مقابلة JTBD
إجراء المقابلات ليس غريباً على متخصصي تصميم تجربة المستخدم. لكن للمقابلات أسلوب مختلف لو أراد المصمم اتباع JTBD. يتم تسخير إطار المقابلات لإجراء Product Research أو عملية أبحاث تركز على أمرين:
من قرر استخدام منتجنا
من قرر الابتعاد عنه
الهدف هنا هو الربط بين الإثنين لتحديد الفرص وفهم لماذا قام أحدهم بـ “توظيف” منتجنا للقيام بعمل ما.
إجراء مقابلات وفقاً لـ JTBD هو مهارة تتطلب كثيراً من التدريب و القدرة على خلق علاقة عاطفية معينة تسمح بسرد مفيد. تحاول المقابلات فهم نقطة البداية التي احتك فيها الزبون مع ما نقدم و تتابع عبر تجاربه المختلفة معنا. لكريس سبايك Chris Spiek و بوب مويستا Bob Moesta دليل مميز حول إجراء مقابلات JTBD.
باختصار نحاول في مقابلات JTBD فهم الخط الزمني الذي يلخص تفاعل الزبون مع ما نقدم / أو ما سنقدم. يبدأ هذا من أول فكرة تخطر على بال الزبون First thought إلى رضاه عن خدمة أو وظيفة أو منتج ما Satisfaction.
بعد ذلك نقوم بعملية تحليل لكل المقابلات التي أجريناها وفق طريقة تقوم على أربع قوى اتخذ على أساسها قرار ما من قبل الزبون. هذه القوى هي:
ما يدفع نحو نوع جديد من السلوك و هي ما ينتهي بإمكانية تقديم مفهوم أو فكرة جديدة
ما يمنع أي تغيير في السلوك
تفيد مقابلة JTBD فعالة في تحديد الأعمال الأساسية والثانوية ، بالإضافة إلى بعض السياق حول حاجات المستخدم. يكمن سر قوة هذه المقابلات بأنها مصممة لتقدم سرداً في النهاية و بالتالية تكون الأسئلة مساعدة للزبون على التذكر و الاستدعاء.
مفهوم قصص العمل Job Stories
مرة أخرى مفهوم القصص User Stories ليس غريباً على مصممي تجربة المستخدم و مدراء المنتجات. الاختلاف في قصص الأعمال هو هيكلة هذه القصص. يعود الفضل فيها لآلان كليمنت Alan Klement والتي تطبق الآن في عمل فريق خدمة Intercom التي تحدثنا عنها سابقاً.
وعلى عكس قصص المستخدم التقليدية تقوم قصص الأعمال على الحالة Situation و السياق Context:
عندما When....
أودّ أن I want to..
لكي أكون قادراً على So I can...
يعلق على هذا بول آدامز Paul Adams مدير المنتج في Intercom قائلاً
"نحاول تأطير كل مشكلة تصميمة على شكل عمل، مع التركيز على الحدث أو الموقف المحفز ، والدافع والهدف ، والنتيجة المقصودة. […] يمكننا ربط هذه الوظيفة بالمهمة وترتيب أولويتها بشكل مناسب. يضمن هذا أننا نفكر باستمرار في جميع مستويات التصميم الأربعة. نحدد ما هي المكونات في نظامنا التي تشكل جزءًا من هذه الوظيفة إضافة للعلاقات والتفاعلات الضرورية المطلوبة لتسهيلها. يمكننا التصميم من الأعلى إلى الأسفل ، والانتقال عبر النتائج والنظام والتفاعلات قبل الانتقال إلى التصميم المرئي. "
ماهي مستويات التصميم الأربعة هنا؟ وفقاً لبول (ولتجربته الشخصية، يمكننا التفكير بمراحل التصميم كما يلي (ينطبق هذا على المنتتج أيضاً بصراحة):
يعتقد كليمنت أن المبدأ الأساسي لتطبيق JTBD يدور حول رغبتنا في "التحسين" - وأن التركيز على رغبة الجميع في التحسين هو أمر أساسي لاستراتيجية ناجحة.
واحد من الأمور التي قد تسبب لنا بعض التشتت هو أن نظرية JTBD واسعة التطبيقات في كثير من المجالات ولها كثير من المراجع، لذلك علينا التأكيد هنا أن التفسير الخاص بالحالة ومحاولة فهم نظام وظيفة العمل بشكل شمولي قد يعتمد على طرق أخرى قد يكون هاماً أيضاً. يمكننا النظر لـ قصص الأعمال كنقاط ارتكاز رئيسية لفهم العملاء، ولكن الاعتماد عليها بشكل حصري لن يضمن بالضرورة تصميمنا لتجربة مستخدم سلسة.
عودة إلى تصميم تجربة المستخدم UX Design
أهلاً بكم من جديد. لنحاول الآن ربط الأمور ببعضها وفهم كيفية النظر إلى إطار JTBD وفقاً لحاجات مصمم تجربة المستخدم (و في هذا نوع من الأنانية مني كوني أعمل كمصمم
هناك العديد من الطرق التي حاولنا بها شرح نظام تجربة المستخدم ولكن عناصر تجربة المستخدم The Elements of User Experience لجيسي جيمس غاريت Jesse James Garrett مكان جيد للبدء وفقاً لستف ترويث Steph Troeth مديرة البحث في Clearlift.
نظرية جيسي التي تقوم على عناصر (أو طبقات) تصميم تجربة المستخدم مفيدة جداً عندما نأخذ بعين الاعتبار مستويات تعقيد المنتجات المختلفة. تحتاج إستراتيجية تصميم تجربة المستخدم إلى معالجة جميع المستويات المختلفة للحصول على تجربة شمولية:واجهة المستخدم UI، ميزات المنتج و أفكاره و العلامة التجارية الخاصة به حتى.
من هذا المنطلق، نجد أن JTBD تساعد في كل شيء تقريباً لكن بأسلوب مختلف. شكل متأصّل في فهم عقلية الزبون أو المستخدم ربما. JTBD ممتازة في توضيح احتياجات المستخدم وتحديد المواصفات الرئيسية ومتطلبات المحتوى. مفيدة للتحقق من الطريقة التي ينظر بها لعلامتنا التجارية و للقيمة التي يقدمها منتجنا.
مايساعدنا على فهم JTBD بشكل أفضل هو فهم أن الجملة التي نصف بها عملاً ما Job Statement غير مرتبطة بالحل بشكل مباشر، أو غير معنية بها بعبارة أدق. اعتمد جيم كالباخ Jim Kalbach نظاماً خاصاً لتطبيق JTBD بشكل تصميم عملي بناء على النماذج الذهنية Mental Models. من المهم هنا أن نتذكر أن اعتماد JTBD ليس مرتبطاً بالضرورة بتصميم الواجهات، بل ينطبق على أي وظيفة.
لآلان كليمنت Alan Klement أيضاً نموذج عملي حول التحول من قصص الأعمال Job Stories لتصميم الميزات Feature Design.
نهايةً
كانت هذه مقدمة لفهم JTBD بشكل سريع و سنتوسع فيها مستقبلاً لفهم كيفية تطبيقها بشكل عملي خصوصاً على مستوى تصميم تجربة المستخدم و إدارة المنتجات الرقمية.
التصميم (خصوصاً في إطار التطبيقات المعاصرة أو تطبيقات الأعمال) يحتاج لفهم سياقات ثقافية و اجتماعية واقتصادية معقدة. لا يزال تطبيق JTBD قيد التطور. لعل أهم فائدة منها حالياً هي إيجاد طريقة منهجية معاصرة تحاول فهم هدف الزبون (أو المستخدم) الحقيقي قبل الانتقال للحديث عن أي واجهات أو حتى منصات تطوير أو ميزات منتجات.
علينا دائماً أن لا نعتمد أي حل جديد كحل وحيد مهما كان فريداً. كما نعلم، و يعلمنا الحاضر مراراً أن الجواب الدائم على ماهي خطوات القيام بتطوير منتج؟ هو "الأمر نسبي".